سورة الحجر - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


قوله عز وجل: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} يعني وإن من شيء من أرزاق الخلق إلا عندنا خزائنه وفيه وجهان:
أحدهما: يعني مفاتيحه لأن في السماء مفاتيح الأرزاق، وهو معنى قول الكلبي.
الثاني: أنها الخزائن التي هي مجتمع الأرزاق. وفيها وجهان:
أحدهما: ما كتبه الله تعالى وقدره من أرزاق عباده.
الثاني: يعني المطر المنزل من السماء، لأنه نبات كل شيء، قال الحسن: المطر خزائن كل شيء.
{وما ننزله إلا بقدر معلوم} قال ابن مسعود: ما كان عامٌ بأمطر من عام ولكن الله يقسمه حيث يشاء، فيمطر قوماً ويحرم آخرين.
قوله عز وجل: {وأرسلنا الرياحَ لواقِحَ} فيه قولان:
أحدهما: لواقح السحاب حتى يمطر، قاله الحسن وقتادة، وكل الرياح لواقح. غير أن الجنوب ألقح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هبت ريح جنوب إلا أنبع الله تعالى بها عيناً غدقة».
الثاني: لواقح للشجر حتى يثمر، قاله ابن عباس.
وقال أبو عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح. وقال عبيد بن عمير: يرسل الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قمّاً، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يرسل اللواقح فتلقح الشجر.
قوله عز وجل: {فأنزلنا من السماء ماءً} يعني من السحاب مطراً.
{فأسقيناكموه} أي مكناكم منه، والفرق بين السقي والشرب أن السقي بذل المشروب، والشرب: استعمال المشروب، فصار الساقي باذلاً، والشارب مستعملاً.
{وما أنتم له بخازنين} فيه وجهان:
أحدهما: بخازني الماء الذي أنزلناه.
الثاني: بمانعي الماء الذي أنزلناه.
قوله عز وجل: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد عَلِمنا المستأخرين} فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: أن المستقدمين الذين خلقوا، والمستأخرين الذين لم يخلقوا، قاله عكرمة.
الثاني: المستقدمين الذين ماتوا، والمستأخرين الذين هم أحياء لم يموتوا، قاله الضحاك.
الثالث: المستقدمين أول الخلق، والمستأخرين آخر الخلق، قاله الشعبي.
الرابع: المستقدمين أول الخلق ممن تقدم على أمة محمد، والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
الخامس: المستقدمين في الخير، والمستأخرين في الشر، قاله قتادة.
السادس: المستقدمين في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها، قاله سعيد بن المسيب.
السابع: المستقدمين من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل، قاله القرظي.
الثامن: المستقدمين في صفوف الصلاة، والمستأخرين فيها.
روى عمر بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةٌ من أحسن الناس، لا والله ما رأيت مثلها قط، فكان بعض الناس يستقدم في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه في الصف، فأنزل الله تعالى في شأنها هذه الآية.


قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حَمَإٍ مسنون} أما الإنسان ها هنا فهو آدم عليه السلام في قول أبي هريرة والضحاك.
أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
وقاعٍ ترى الصَّلصال فيه ودونه *** بقايا بلالٍ بالقرى والمناكبِ
والصلصة: الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان، وهو مثل القعقعة في الثوب.
الثاني: أنه طين خلط برمل، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، مأخوذ من قولهم: صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن، قال الشاعر:
ذاك فتى يبذل ذا قدرِهِ *** لا يفسد اللحم لديه الصلول
والحمأ: جمع حمأة وهو الطين الأسود المتغير.
وفي المسنون سبعة أقاويل:
أحدها: أن المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير، قاله ابن عباس، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
سَقَتْ صدايَ رضاباً غير ذي أَسَنٍ *** كالمسكِ فُتَّ على ماءٍ العناقيد
الثاني: أن المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون، قاله الأخفش.
الثالث: أن المسنون المصبوب، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه، والشن تفريق الماء، والسن صبه.
الرابع: أن المسنون الذي يحك بعضه بعضاً، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه، قاله الفراء.
الخامس: أن المسنون المنسوب.
السادس: أنه الرطب، قاله ابن أبي طلحة.
السابع: أنه المخلص من قولهم سن سيفك أي اجلهُ.
قوله عز وجل: {والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم} وفي الجان ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه إبليس، قاله الحسن.
الثاني: أنهم الجن حكاه ابن شجرة.
الثالث: أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان: أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.
قال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.
{خلقناه من قبل} يعني من قبل آدم. قال قتادة: لأن آدم إنما خلق آخر الخلق.
وقوله تعالى: {من نار السّموم} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني من لهب النار، قاله ابن عباس.
الثاني: يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار.
الثالث: من حر السموم، والسموم: الريح الحارة. ذكره ابن عيسى.
الرابع: أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سموماً لدخوله في مسام البدن.


قوله عز وجل: {قال رَبِّ فأنظرني إلى يوم يبعثونَ} وهذا السؤال من إبليس لم يكن من ثقة منه بمنزلته عند الله تعالى وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه كفعل الآيس من السلامة. وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون أن لا يموت، لأن يوم البعث لا موت فيه ولا بعده.
فقال الله تعالى: {فإنك من المنظرين} يعني من المؤجلين.
{إلى يوم الوقت المعلوم} فلم يجبه إلى البقاء.
وفي الوقت المعلوم وجهان:
أحدهما: معلوم عند الله تعالى، مجهول عند إبليس.
الثاني: إلى يوم النفخة الأولى يموت إبليس. وبين النفخة والنفخة أربعون سنة. فتكون مدة موت إبليس أربعين سنة، وهو قول ابن عباس وسمي يوم الوقت المعلوم لموت جميع الخلائق فيه.
وليس هذا من الله تعالى إجابة لسؤاله، لأن الإجابة تكرمة، ولكن زيادة في بلائه، ويعرف أنه لا يضر بفعله غير نفسه.
وفي كلام الله تعالى له قولان:
أحدهما: أنه كلمه على لسان رسول.
الثاني: أنه كلمه تغليظاً في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8